هُــــمــــــــام
هُــــمــــــــام ...
د. طالب فدّاع الشريم.
يدور هذا النص حول حوار فلسفي بين شيخ وقائد شاب يُدعى همام، يتناول مقومات النهضة والقيادة الفاعلة. يُبرز الحوار رؤية متكاملة تبدأ بـ الاستيعاب العميق للذات والهوية الأصيلة، والتي تتجسد في التوحيد، الشريعة، العروبة والقيم الإنسانية. ثم ينتقل النص إلى أهمية الترابط بين الفكر النظري والعمل التطبيقي، مؤكداً أن النهضة تتطلب موارد بشرية واقتصادية غنية تقودها دولة ناجحة. كما يتطرق إلى التحديات المحيطة، من أيديولوجيات دخيلة وجهل، وضرورة تجاوزها بـ المنهج الصحيح والقائد الملهم، ليتحول الفكر إلى واقع ملموس يحقق الريادة.
فقد سأل عن شيخه، قالوا له في مثل هذا الوقت يكون في نفس المكان، أعلى قمة جبل العروة، يتأمل المحيط حول جزيرته، مدركا أن الزمن في مضماره لا ينتظر أحدا، ولا بد من صناعة مركب يُعدّ جيدا حتى يكون قادرا على عبور خضم الموج العاتي من الانفلات المعاصر، وهو على هذه الحال يفكر... قطع عليه تفكيره صوت قادم إليه، منطلق بقوة، يتخطى كتل الصخور بخطوات واسعة، إنه الهمام، أتيت في وقتك يا هُمام.
رد: وقتي وحياتي بين يديكم، بماذا تأمرني.
الشيخ: قبل أن اأمرك، سأسألك. من نحن؟
رد: نحن المركز، وميزان الأطراف، والذات التي كل ما سواها موضوعات.
الشيخ: حسنا يا همام، فعلى ماذا تتكئ؟
رد: توحيدي لله الخالق، وشريعة سيد الخلق، وأصالة عروبتي، وفضيلة أعلى نماذج قيم الوجودية الإنسانية المتأصلة. لاستعادة الريادة، وإحياء مشروع نهضتنا.
الشيخ: أحسنت في التنظير، فماذا لديك لتعمل؟
رد: ما استحسنته من تنظيري فهذا لأن العقل النظري مهم، ويسبق كل عمل، والعمل يحتاج إلى أدوات تحقق الأهداف، بمعايير نابعة من أصالتنا وقيمنا نحن.
الشيخ: مُجيد في النظر، فكيف تكون مُجيدا في العمل؟
رد: تربتنا ثرية، فوقها عقول متفتحة، وأيادي عاملة، وهمم سامقة، وقيم سامية.. تحتها ثروات بالقوة، محركهما الدولة الناجحة بالفعل. لتكون المحصلة النهائية.. الوطن أولا.. الوطن لا نهائيا.
الشيخ: أحسنت، أراك مدركا لما أنت عليه من قيم وتفرد، وتعرف ما تملك من موارد بشرية حية، وأدوات طبيعية كامنة.. فماذا عن المحيط حولك؟
رد: رأيكم فينا وسام شرف وحافز لن يتوقف، أما عن المحيط فجهة البوصلة بعض من كرماء، وبعض من أسرى أيديولوجيات وعقائد موجهة، وفيهم من تياسر حتى أصبح متهافتا روحا وفعلا، يكثرون من النظريات المستوردة التي فشلت في تربتها الأصل ففشلوا، وفيهم من صنع منهاجا لخطابات الكراهية البين عربية حتى لوثت الذهنية عبر الأجيال المتتالية، فتذيلوا كل طارئ على أوطانهم، ومقدراتهم، وعروبتهم، فأصبحت العمالة لدى بعضهم وجهة نظر.
أما من في طرف عجز البوصلة، فبعض من كرماء أيضا، وبعض ممن ضرب فيهم الجهل أطنابه، وعجزٍ لا ينهض إلا مع قوي ولو كان طارئ، وعن يمينها كرماء كذلك، وممن عرف نفسه فانتهج السلم، وممن يعرف نفسه فأراد أن يغير بطريقته علنا، وفيهم ممن عرف قدره وسار في الركب الوظيفي لآخر، يؤدي أدوارا ليست له، تشابه حركات خفافيش الليل.. نراهم رأي العين.
الشيخ: إقترب يا همام.. أجلس بجانبي، وشاهد تلك السفوح.. أعلم أنك تعلم أنها ليست مكانا لنا، فنحن لا نحيا إلا بأعالي قمم العروة، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة وعورة المسار، ومواجهة الريح العاتية التي تحيط الشواهق، وتتجاوز قصور ما يحيط، لمواجهة ما بعد المحيط.. فكيف سيكون لك ذلك؟
رد: طالما نحن على فهم كامل وواضح لقصدك حفظك الله، فنحن كلنا جنودك لتمام القصد، فلدينا المنهج الصحيح، والإنسان السليم، وكل المقومات التنموية. ولا تتم نهضة أمة إلا وعلى رأسها قائد.
الشيخ: إذن أنهض بأمتك وتوكل على الله.
أنطلق الهمام، فبدأ بالداخل، وأنجز ما لا ينجزه سواه، مؤكدا معنى الذات النموذج بكل بتفاصيلها، فواجه المحيط بخيارات المصافحة تارة، والقبضة تارة أخرى، وحقق الكيف وتجاوزه، ومازال مستمرا.. بناء دار ومدار، كيان وأنسان، رمح وبنان، ولأنه مؤمن بالتفرد، لا يدانيه مألوف، ولا مكرور، أحضر العالم على أطراف طاولته.. وفي وسطها المستقبل متمظهرا ينتظر تشكيله، وقرار اعتماده، مفككا عقود من يوتوبيا المفكر الإقليمي التي ما فتئ يطالب بتثوير الشعوب، وغاب عنه أن أول ركائز قيام النهضة تتمثل بوجود قائد همام مستنير.. يقود الشعوب، ويحول ما بالأذهان إلى واقع يرى في الأعيان.
تعليقات
إرسال تعليق