طبيعة جرائم ما يُسمون بـ ذوي الياقات البيضاء


طبيعة جرائم ما يُسمون بـ ذوي الياقات البيضاء

   هناك مفهوم لا يختلف عليه اثنان، هو أن كافة المجتمعات في الشرق والغرب تحتوي على قدراً من القصور (المقصود)، يزيد أو ينقص فيما بينها.. له تأثير سلبي على تقدم عمل المؤسسات الخدمية والفكرية والإنتاجية.. إذ لا يوجد على وجه الأرض ذلك المجتمع الفاضل الخالي من الفساد.. وفي بعض البلدان أصبح استغلال الموظفين الحكوميين لمناصبهم لكسبٍ شخصي ومنفعة بغير وجه حق من الأمور المسلم بها، بل قد تصل إلى جعلها من أساليب الإدارة الفطنة! .


   ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قبل أكثر من عام، وبالتحديد يوم الاثنين 1 صفر 1428هـ، عندما اقر مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي يأتي في مقدمة أهدافها الحماية بشتى صورها ومظاهرها، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد، و تقليص الإجراءات وتسهيلها والعمل بمبدأ المسائلة لكل مسئول مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة.. هذه الاستراتيجية توضح بجلاء مدى حرص القيادة وقربها لكل ما فيه خير المواطن، وعلى قارئنا الكريم تلمس الفروق التي أحدثتها هذه الاستراتيجية الوطنية، ومدى فعاليتها بعد أكثر من حول على صدورها.
 
   لا شك إن جرائم الفساد تتطور أساليبها أسرع، وتأخذ بعداً جديداً من تقدم الإجرام النوعي، و غالباً ما تأتي على شكل هرم يتسع نزولاً، وقد ذكرت كثيراً من الأدبيات صوراً من الإجرام المعاصر يأتي أخطرها على المجتمعات جرائم ذوي الياقات البيضاء، إشارة إلى أصحابها المتميزين في مجتمعهم، الذين لم تتمرق إياديهم بتراب العمل، وتعني أيضاً، أنها جرائم يرتكبها أشخاص محترمون في نظر الناس، لهم مكانة اجتماعية مرموقة عند تنفيذهم لواجباتهم الوظيفية، ويحضون بالاحتفاء والتبجيل والإكرام، وتفرد لهم مساحات الحب والاحتضان !
 
   ويقال أيضاً أن البروفيسور ساترليند هو من أدخل هذا المصطلح عندما تحدث أمام الجمعية الاجتماعية الأمريكية عن ظهور جرائم الصفوة بعد أن كانوا بعيدين عن دائرة السلوك الإجرامي، ولذلك كان يفسر السلوك الإجرامي قبل ظهور جرائم الصفوة بعوامل الفقر، وعوامل عدم التوازن النفسي الناجم عن قصور إمكانات وقدرات الشخص على تلبية احتياجاته.
 
   ويعتبر المجتمع الذي يتحدث عن تلك الجرائم في مصاف المجتمعات المتقدمة، إذ نادراً ما يأتي ذكرها في دول العالم الثالث إن لم نقول بحثها ودراستها، وإن حدث فقد لا تتجاوز صياغة إطار نظري قد لا يؤدي إلى فعل عملي، لأنها فريدة من نوعها لا يختص بها إلا القليل مع حجم تأثيرها الكبير، تقاس قيمتها حسب مكانة فاعلها، وهذا مكمن خطورتها، وصدق الشاعر عبد الرحمن بن مساعد عندما قال: احترامي للحرامي.. صاحب المجد العصامي.. يعرق ويرجى المثوبة.. ما يخاف من العقوبة.. صار بالصف الأمامي .. !
 


طالب فداع الشريم
taleb1423@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر