العاقل يتفلسف حتى لو نفى الفلسفة وعارضها

الدكتور طالب فداع الشريم: التأمل الأعمى لا يفضي إلى معرفة

القاهرة 20 فبراير 2018 الساعة 11:12 ص 
مجلة مصر المحروسة 
حوارات ومواجهات
حوار: محمود الديب 


- من تحت عباءة الفلسفة خرجت وتشعبت العلوم .
- العاقل يتفلسف حتى لو نفى الفلسفة وعارضها.
- التأمل العميق يؤدي إلى وعي أكثر، والفلسفة تؤطر هذا التأمل للوصول إلى معرفة.
 - أسس الإغريق قواعد الفلسفة وأبدع الفلاسفة المسلمين فلسفة تدرس الكون بما فيه من أفلاك ومراتب ووجود إنساني وحياة.
- مميزات وسلبيات العلم تعود للمتعلم لا العلم.
 تتداخل الفلسفة مع العديد من العلوم، ودار جدل لسنوات طويلة بسبب تماسها مع العلوم الأخرى وبدأت سلسلة ذلك الجدل فيما بين الفلسفة والشعر، فقد تحدث عنها أفلاطون بإسهاب في كتاب "الجمهورية". ثم عادت مرة أخرى فيما بين الفلسفة والرواية ، وكثير من الروائيين يرون سمو الرواية عن الفلسفة، وهذه النظرة الفوقية أشعلت نار الفتنة بينهما، فها هو الروائي الفرنسي "ميلان كونديرا"  يؤمن بسمو الرواية ومركزيتها، باعتبارها الشكل الأدبي النموذجي، وذلك الرأي كان رداً على الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر. 
ولفض الاشتباك بين الفلسفة والعلوم الأخرى وعلاقة كل منهما بالآخر  أجرينا حوار  مع الدكتور طالب فداع الشريم الحاصل على  دكتوراه في الفلسفة والمتخصص في الفكر  العربي المعاصر. 
ما أهمية دراسة الفلسفة بالنسبة للفرد والمجتمع؟
هذا سؤال كبير، فلكل علم مميزاته ، وسلبياته إن وجدت تعود للمتعلم لا العلم، والفلسفة كالعلوم الأخرى ولكنها لصيقة بعلم الإنسان، وهي أقدم العلوم ، وأم العلوم التي خرجت من تحت عباءة الفلسفة وتشعبت ومنها ما استقل كعلم قائم بذاته، لكن لا يمكن لعاقل إلا ويتفلسف حتى لو نفى الفلسفة وعارضها، ولا اعتقد أن عاقل ينفي عن نفسه "محبة الحكمة" وهذا جذر الفلسفة ومعناه المرتبط بكل جوانب الحياة والكون ، وعلوم اليوم المعاصرة كلها مبنية على نواة تحيطها دائرة علوم متصلة بها، هذه النواة قدمها الأغريق الذين أسسوا قواعد الفلسفة ، إلى الفلاسفة المسلمين الذين نقلوا وبنوا وأسسوا فلسفة إسلامية تدرس الكون بما فيه من أفلاك ومراتب ووجود إنساني وحياة، ولو لم توجد فلسفة إسلامية لما وجدت نهضة غربية ، هذه النهضة التي تلقفت نتاج فلاسفة الإسلام وترجمة ودرست وتم الانطلاق مما انتهى منه علماء الإسلام، هذه المقدمة البسيطة توضح مدى أهمية دراسة الفلسفة للفرد وبالتالي للمجتمع.
لماذا حاول البعض الترويج لخطورة الفلسفة؟
عندما كان الغرب يعيش في ظلام دامس بسبب سيطرة ثقافة القطيع ، وثقافة القطيع تعني أن تتخلى عن عقلك وتدع غيرك يفكر عنك ويختار هو ما يناسبك ، في الوقت الذي سيطر الإسلام على العلوم والإدارة والقيادة والترجمة والفكر والفلك والطب وامتد النفوذ الإسلامي بقوة وازدهار وفتوحات أوصلت هذه الأمة إلى أقاصي الغرب والشرق على مبادئ إسلامية لبناء مشروع حضاري يدفعها نحو التقدم والبناء ويضع لها كيان راسخ على هذا الكوكب لتكتب تاريخها وتفرضه على الأمم ، كان ذلك مبني على هدي نبوي لم يقصي علم الفلسفة وأهميته للتجديد، فلم تتعارض هذه العلوم مع الشريعة ما دامت هي علوم تستعمل لخدمة الإنسان وبناءه وتقدمه.
الإنسان الفرد حر وما يملكه من عقل هو هبة من الله ولن يجازى أحد عن أحد،  لذلك كل من يضع نفسه وصيا على الناس هو جاهل بحكمة الله في خلق الناس والكون، وكل من يخوف من دراسة الفلسفة  عليه الحذر من نفسه ومن ثقافته، فمنذ  خُلق الإنسان وهو يتنقل من حال إلى حال ولا ضير فلكل وزره ولكل خيريته وفعله ، ثم إن الوصاية هي اعتراف بعدم نضج المجتمع ، ويكذب على نفسه من يظن بأن دراسة الفلسفة خطر على الدارس، وأرى العكس بأن الفلسفة كأي علم من العلوم ولكنها تتفضل على غيرها بأنها توسع من النظرة الفردية الأحادية إلى النظرة الأوسع التي تحتوي المختلف والمتهافت وقبول الآخر وتصلح الممكن، وإن كانت كل تلك المميزات تعود للفرد نفسه، وبالأخير كم من شخص عاش شابا على دين وانتقل إلى ما يناقضه والعكس، فالمنع والحذر لا يجدي، والقصص في هذا الأمر كثيرة ولا داعي لذكرها، لذلك أقول لا يوجد في المعتقدات حذر مانع ، والأحاديث النبوية في هذا الشأن كثيرة ، كحديث "يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل" ، وكم من إنسان خرج من حلق القرآن وألحد، وكم من عاد من الإلحاد وآمن، أو من بيئة لا تعرف الدين الإسلامي وترك ما ورثه من دين وأسلم. قال تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين). فاليحذّر المُحذّر وليذّكر المُذكّر لكن ليس عليه أن يتعسف فهذا أقصى ما يجب عليه. فالكثير يتعصب لفكرته فكيف بمعتقده لذلك يجب الانتقال من الوصاية إلى ثقافة الحوار وتقبل الاختلاف.
هل دراسة الفلسفة تساعد على التأمل العميق؟
التأمل والعقل على علاقة وجودية، فوجود أحدهما مرتبط بوجود الآخر، ولكن هناك تأمل أعمى لا يؤدي إلى معرفة، وتأمل عميق يؤدي إلى وعي أكثر، والفلسفة هي من تؤطر هذا التأمل وتضعه في سياق محدد للوصول إلى نتيجة وبالتالي إلى معرفة.
ما رأيك في تلك المقولة ( الفلسفة يراها البعض تعلّم الإنسان الحياة وتعلّمه الموت أحيانا)؟
بالتأكيد ولكنها ليست كذلك بالمعنى الحرفي، فهي إن علمت الإنسان الحياة بالضرورة تكون قد علمته الموت، والعكس صحيح، وهنا الموت ليس بمعناه المرعب، بل لأنه القضية الأولى للإنسان والتي دائما ما يتخلص من قضيته هذه ويربطها بالآخرين،  وكأنه لا يريد أن يعترف بها أو لأنه لا يتخيل دوره ، ولو أقر بها لترك الظلم والاستبداد والكذب والتدليس على نفسه قبل غيره، وهذه المقوله تعني بتقاطع المعنيين وارتباطهما فلا حياة بلا موت، ولا موت بلا حياة هذا أمر نؤمن به ونجله ونعترف به وإن اختلف البعض فهذا أمر وجداني وتجربة خاصة لا يمكن حتى وصفها.
  الفلسفة الميتافيزيقية التي تعني للمفكر تختلف عن  فلسفة الحياة التي يؤمن بها الروائي، ما أوجه الاختلاف بين كلتا النظرتين ؟
التفسير البسيط هو أن الفلسفة الميتافيزيقية المثالية الماء وراء الطبيعة، والغيبية التي لا تخضع لمقياس تجريبي، أو معيار قياس، تعني للمفكر التأمل بالكون والفساد، الكون الحي والفساد الانتهاء، وهذه أكبر من أن تقارن بحالة شخصية فردية كفلسفة الحياة التي تعني للروائي. فالأولى تنحو للفضاء العمومي، والثانية للتجربة الشخصية . لذلك نعم تختلف وبشكل كبير وإن كان بينهما تقاطعات وتداخلات مشتركة.
الرومانسيّة الفلسفيّة، هل ما زالت موجودة أم اختفت ؟
الفلسفة الرومانسية أو الرومانطيقية أو الرومانتيكية. هي فلسفة الأدب والحب وتحويل الروايات إلى مسرح من أيام شكسبير. ولن تختفي مادام هناك روايات وجودية نفسية تتغلغل في كوامن النفس. الفلسفة الرومانطيقية أو الرومانسية اللطيفة وهناك الفلسفة الكلاسيكية الجافة العقلية. وكلها علوم إنسانية باقية مابقيت الأسطورة والخيال والنفس. فالشخوص تختفي لكن لايختفي الأدب.


http://www.misrelmahrosa.gov.eg/NewsD.aspx?id=53681

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر