آفة التطرف الأيديولوجي

آفة التطرف الأيديولوجي

طالب الشريم

١٥/ ١٠/ ٢٠١٧

التنظير متاح للجميع، وإيصال الكلمة أصبح اليوم ومن خلال وسائل الاتصال المختلفة أسرع من أي وقت مضى على الإنسان، لذا لم يعد غريبا ظهور طروحات خارجة عن حدود المصلحة الاجتماعية الواحدية، المتعدية للفردية، وجنوح سوادها النزغي إلى ما بعد الوعي البشري.
أن لا تكون يمينيا أصوليا متطرفا، لا يعني ذلك أن تكون متطرفا تطرفا يساريا يتجاوز الراديكالية الإصلاحية إلى ما يمكن أن نطلق عليه الراديكالية الدونية، التي لا تكل ولا تمل من الردح نحو كل منجز وطني، والقدح في سبيل تفتيت ما التأم في جسد الأمة المفككة منذ قرون.
إن مجتمعك الجزء الذي لا يتجزأ من الكل المصيري لا يحتمل أصولية بلباس تقدمي زائف، لا تفتأ في ضرب قوام وحدة الصف بأسافين التفرقة والكراهية، والتنفع من الآخر البعيد الذي يشيئك كأداة، ووسيلة تخريب على حساب الكيان المسجى على نعش فكرك الوافد، والمثبت فشله وتهافته في موطنه الأصل، وإن تم تلقفه والاحتفاء به ترفا من كل فاقد لأصالته، وأصبح من التقليد الإطنابي التفوهي على منابر الحركات اليسارية العربية، التي عادة ما تتصارع في إدارة جمعية من بضعة مغيبين صراع القرود مع التماسيح، وحسبهم من الواقعية التنطّع بمصطلحات طوباوية، كالتعلق بأهداب يوتوبيا الديمقراطية، والحريات، وحق الانتخاب ظاهريا، والباطن.. استحواذ، مكائد، دسائس، وتكسب مادي على حساب العمل النقابي الثقافي.
لقد علمتنا تجارب أبناء آدم السالفة أسرار الفكر العربي المأزوم والحركات والأحزاب والطوائف التي تتلبس القيم قناعا تحرك به غرائز رهطويتها كوقود للفتن والفوضى، وما إن تدنو لها المسؤولية حتى تظهر بوجهها الآخر البغيض، وتتكشف شعاراتها بالارتماء في أحضان ما يناقضها أيديولوجيا فكرا ومعتقدا، وإن لزم الأمر جعلت كل من يخدم أهدافها من الأتباع عجلات سير تسحقها على طرق الشوك، وغياهب الظلام.
ويعلم كل ذي لب أن لكل مكان جغرافيته المحكمة في الوجود، والزمان كذلك محكوم في نفس السياق براهنية السيرورة الدائبة المستمرة، وتبقى كينونة الإنسان بلا معزل عن تلك التحولات، والكلمة التي لا تقال اليوم ربما لم يحن موعدها بعد ، فهناك في أعلى القمة حدث ما لم يحن أوانه، يستحق انتظار تكّونه، وتمام تشكّله بالصورة التي يمكن لتلك الكلمة أن تضع لها فيه أثرا وقابلية.
لذا دائما ما تذهب الذاتية الطفيلية المؤقتة، ولا تلبث أن تتطاير فقاقيعها في الهواء.. لتبقى الأفعال حراكا تنمويا ناهضا، وواقعا أصيلا يعم مدى خيريتها الثرى وأهله، ويحفظ العرض. {فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، ونصيب من أراد أن يخرق نصيبه في السفينة أن يرمى في البحر ليسقط بذلك كل رقم زائد على الأرض.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر