المجتمع بين النظرية والممارسة


المجتمع بين النظرية والممارسة

طالب الشريم


قد يقع المجتمع أي مجتمع بأفراده ومكوناته المؤسساتية تحت رحمة منظريه، والتنظير ليس حكرا على كاتب ما، بل حتى المسؤول يعتبر من أكبرهم تنظيرا، بما يحظى به من قوة عبر نفوذه في مؤسسات المجتمع وما تستهلكه من موازنات الدولة المالية الضخمة، والمحسنات الظاهرية من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
والنظرية هي معرفة الأشياء التي نريد تحقيقها، ولم تتحقق بعد، أي لم تمارس ولم تكتمل شروطها ونجاعتها وفائدتها بإضفاء التغيير على الواقع نحو الأفضل، فإن لم تتحقق تلك ستبقى نوعا من الثرثرات الطائرة، لا يلامس الأرض لها طرف.
إنها معضلة المنابر الملهية لا الملهمة، والمضمخة باللغو والإطناب المكرر، لدرجة بنائها علاقة من التآلف والحميمية مع الأسماع المرغمة على الاستماع، وتغلغلها في تجويفات المألوف الآمن، فلا هي رمت حجرا ولا حركت راكدا، نماذج تتوالد ويكرر بعضها بعضا.
إن من لم يربط القرارات المتعدية للصالح العام وبما يتعلق فيها من جهد ومال ووقت يربطها بحياة الناس، وأحوالهم ومآلاتهم فإنه كمن يتلذذ بتحقيق رغباته الشخصية من خلال سياساته الإدارية التي كلف بها تكليفا لا تشريفا من أجل بناء مؤسسات تخدم المجتمع، لا أن يصبح المجتمع خادما لها بكل ما له من اعتبارات حقوقية كضرورات ذاتية واقتصادية.
لا يوجد عمل بشري تام، لكن هذا لا يعني أن قصور المؤسسات الخدمية في العلاج أو النقل أو في التعليم والعمل وحتى سلوك الناس في الشارع وسوء استخدامهم المنشآت العامة، مقابل ما تستنفذه من وقت وموازنات يعد مقبولا، وللخروج من هذه العثرات المستحكمة يجب تحديد السبب الجوهري قبل الحديث عن الأعراض التي تتلخص حول نظام المتابعة والعقوبات، فالمشكلة جوهرها علمي بحت، والعلم يخضع دائما للتجربة، والتجربة لها نتائج تكون قابلة للقياس وإعادة القياس بما لا يختلف مع التكرار، والتنظير بلا ممارسة هو ليس من العلمية بشيء، إذ لا يخرج عن كونه مجموعة تصورات غير قابلة للتحقق مهما اتخذ إزاءها من مواقف.
قد يسأل سائل ما، أليست هناك ممارسات واقعية يشهدها الناس اليوم قد سبقتها حزمة قرارات نظرية؟! الإجابة على مثل هذا السؤال لن تخرج عن خيارين المشترك فيهما "التأكيد بنعم"، ولكن قد نكون ممارسين فقط بلا هوية محددة أو إتقان .. أي بشكل روتيني توارثي تكراري .. ومن الممكن أن نكون أيضا نظريين فقط بلا تغيير على الواقع. وحتى نستطيع فك هذا الاشتباك علينا أولا العودة لحركة التاريخ القريب من خلال الزمان والمكان أو "الزمكان"، فإن لم يكن الحاضر أفضل من الماضي فإن الوقت الذي تعاقب فيه هذا المسؤول أو ذاك على إدارة شؤون الخلق في هذه المؤسسة أو تلك هو مضيعة للوقت والجهد والمال وعبث خارج الزمكان!.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر