الدولة والحزب رؤية تأملية


الدولة والحزب رؤية تأملية        


  

 طالب فداع الشريم                   


27-12-2014 1:01:53 PM
صحيفة الوطن البحرينية -



يغلب على الدولة المحافظة في ثقافتها وتقاليدها وتوافق شعبها مع قادتها الطابع الأسري أو العائلي، أو لنقل القبيلة الكبيرة التي وإن اختلف أفرادها في توجهاتهم، إلا أن الرابط لا ينقطع بالجملة، ويبقى كالحضن الكبير الذي يحتوي المشتت والمتباعد من أعضائه.
ولكن هذا لا يكفي لبقاء أواصر الوصل والتكامل والتكافل على متانتها ما لم تقدم الدولة لأبنائها ومواطنيها رسالة محددة تستقر في أنفسهم خلودا يمكنها فيهم من مواجهة أمواج التغيير المتسارعة على المسرح الدولي المتقلب المزاج، وعلاقات المصالح الوقتية.
لقد ظهرت فكرة الأحزاب في الوطن العربي منذ بدايات عصر النهضة، وحركة التأليف في القرن العشرين بشكل يحاكي مهام الدولة، وكانت أولى مداخلها اللعب على القصور الحكومي تجاه الشعب كمعزز لرسالة الحزب النهضوية، والتي ستحقق في نهاية المطاف الرفاهية الغائبة أو المفقودة بسبب استغلال السلطة، ونقص أداء الحقوق الوطنية، من تعليم وعلاج وعمل ومعيشة. للوصول بهؤلاء البائسين إلى أبعد من ذلك بتحقيق رسالة الحزب في استعادة حضارة الأمة من خلال ركوب ظهر الدولة للعبور للفضاء المتخيل، الذي يمكن أن يتحول إلى صياغة جديدة في الوعي واللاوعي، لضمان ولاء أفراد الحزب، والمحافظة على أدوارهم في أي أرض، وتحت أي ظرف وزمان.
السؤال لماذا تنجح الأحزاب في رسم سياسات محددة ضمن رسالة أيديولوجية تختزل العقول في حيزها؟
قبل الإجابة لا بد لنا من تأمل حزب البعث العربي، وحزب الإخوان المسلمين كمثالين لبقية الأحزاب على الأرض العربية، والكيفية التي تتبلور عليها الذهنية، وآلية تغيير مسار الضمير بجعل القبض على الدولة سلم للوصول للانبعاث من جديد، وبالتالي تتحول الدولة لأرنب صيد لحزبي متحفز لاقتناص أي فرصة ظهور شارد أو اختلال خدمي للانقضاض على الفريسة.
وحتى يكون الكلام مباشرا لابد أيضا من أن نلقي نظرة على طريقة العمل المخطط لها بدقة حسب أجندة متفق عليها من لدن مؤسس الحزب، وبتنفيذ قيادات وأجنحة تنفيذية تمتلك قدرة الإقناع وبلاغة الخطابة مع شواهد واقعية تدعم الصوت والصورة الظاهرية، لتعزز من صدقية خطط الحزب وتفعيل توجهه نحو السيطرة على الوعي الشعبي وجر الجماهير ضمن مسار محدد نحو هدف جمعي، كرسالة سامية غلافها الخارجي استعادة جدارة الأمة عن طريق مركب الحزب الانقلابي، وبث الطابع الثوري والنضالي التي ينفثها في روح كل عضو من أعضائه، الذين سينظرون لأنفسهم كمجددين لصياغة طليعة توافق أهدافه كما يسميهم هشام جعيط، ويقضي على ما في نفوسهم من آثار للواقع الشرير الذي لابد وأن يزال.
تنتشر هذه الطليعة بدورها في جسد الأمة طارحة ذاتها على هذا النحو كصورة مرسومة مسبقا للأمة المقبلة. فالإنسان الثوري هو ذلك الذي يقاوم الواقع في ذاته قبل أن يقاومه في المجتمع، وفي البنى المادية. بمعنى أن يكون فرد الحزب محصنا ذاتيا من تأثير الآخر الخارجي، ويتحول هذا الفرد لمشروع حزبي طموح واسع للتربية والإعادة الهيكلية في مستوى الفرد نفسه، بحيث يصبح الانقلاب تغييرا للإنسان العربي بواسطة حزبه في عمل نضالي مستمر. رسالته إحياء الأمة عن طريق بعثها من جديد عبر هوان الدولة العربية الحالية، وهو النقص الأساسي الموجود في حياة الأمة، ويتضح هنا كيفية تشييد الحزب على أنقاض الدولة للوصول للهدف.
الانتماء الحزبي في هذه الصورة لا يمثل الدولة ولا يعير الدولة أهمية بقدر أهميتها كسبيل للمرور من خلالها للضوء البعيد في الضفة المقابلة، حيث كمال النضال وتحقيق عظمة الرسالة، ومسيرة حياتية تجدد الانبعاث القديم في محور الحضارة.
إن الفراغ القاتل، والضبابية المستقبلية لدى الفرد العربي جعلت منه وعاء جاهزا لملئه بأحلام وردية ظاهرها براق بسبب تقاعس المؤسسات الحكومية للدولة عن تقديم ما يجعله ضمن حزب الدولة الأم، والأمر هنا يتعلق بنوعية المدخلات الروحية والعقلية، ورفع الكلفة الحياتية بما يحقق التصالح مع المسؤول باعتباره سند المواطن، لخدمة الوطن من خلال مكون قادر على مواكبة سنن التغيير التي إما أن تحدث بوعي وتهيئة واحتواء قابل للسيطرة والتوجيه، أو ستقع بوقت غير مقدر ولا محسوب أثره العاصف. وأبسط الوعي كشف أجندات الأحزاب الجزئية واحتوائها ومن ثم تجاوزها لتصبح رافدا حيويا لحزب الوطن الأم، وكل ما دون ذلك قابل للمعالجة والتقويم.



taleb1423@                    


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر