معادلة الفوضى والعدالة

                   معادلة الفوضى والعدالة

 
العدالة الاجتماعية تؤلف القلوب، وتقرب المتباعدين، وتضبط جمع المجتمعات، وهي مدعاة فخر للشعوب.. بغيابها يوسم المجتمع ومؤسساته بسمة الفوضى.. وكم نزلت هذه المفردة وبسطت نفوذها على الذاكرة في مجتمعاتنا العربية!

 عدالة، وفوضى.. مصطلحان لا يجتمعان في وادٍ ذي زرع.. فالعدالة الاجتماعية هي العدل والإنصاف بين الناس كافة.. فلا تختزل لأنها كلٌ متكامل.. إن حضرت تحضر بجوهرها لا بأعراضها.. يقول الكواكبي: «إن العقلاء يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة». وقد سلم بها أهل العلم الشرعي، وكذلك الفلاسفة من قديم، ويسلم بها اليوم كل ذي عقل كأحدى الفضائل الأربع مع الحكمة والشجاعة والعفة.

 إن قضية تعارض دعوى معينة، مقابل دعوى هو النقيض المنشئ للفوضى، واختلاط القيم، واختلال النظام العام، حتى يقال في هذه الحالة «قومٌ فوضى»، فالمتناقضان لا يجتمعان، ولكن يمكن أن يرتفعا، كخلط لونين معاً مما ينتج عنهما لون واحد جديد.. أما المتضادان لا يجتمعان ولا يرتفعان.

 وبعد هذه المقدمة الاصطلاحية الموجزة، أما آن لنا معرفة هذا الشيء الذي يؤدي إلى إسباغ الفوضى على مجتمعاتنا، وجعل الناس يؤمنون أن باستطاعتهم فعل كل شيء – وبالتالي خلع جملة «كل شيء ممكن يصير» أو «كل شيء جائز» التي سببت حالة من الهشاشة في عظام قيم المجتمع المقصود، الذي يتحول بفعلها لتكرار علّاته، من خلال أمان المألوف الذي تفزعه سنن التّبدل والتجديد، وكسر قوالب طين اليأس الخادر في حجر العقول، حتى فُقدت قيمة الإنسان، وقدراته الكامنة.

 قد نتفق بأن أزمة الفكر المنتج للمعرفة الجمعية هي أم المعوقات، وبالتالي تكلست الانفعالات الإيجابية تجاه ما يكتب، وخمدت ردة فعل البرامج التليفزيونية التي تعالج مشكلات الناس، وأصبحت حتى مواقع التواصل الاجتماعي لا تحرك المتحرك من سكونه، وإن حركت فإن فعلها في الأعراض، لأنها لا تمس جواهر العلل، بحكم فقدانها لعمليات العزل والترشيح، وإن اختلف متفائل بنجاح جزئي لمؤسسة هنا أو هناك في ظل غياب إنتاج معرفة كلية محفزة لخلق ظروف تقوم على أسس مستمرة، وإبداع متعد، تشمل فضائله كل مكونات المجتمع.. فالذاكرة العربية مازالت مذبذبة، ومرتبكة بين عدالة إرثها، وفوضى واقعها.. فالاعتراف أولاً بهذا الواقع وقبوله كنتيجة لاختلال سلم القيم هو أول طلائع قناديل الطريق الذي تاهت عنه الأبصار لزمن طويل.. فالدليل المرشد للعدالة المضادة للفروقات الطبقية بين أيدينا، نقرأوه صباح مساء.. ولكن البصيرة والاستبصار فيه لا تأتي بالنظر فحسب، بل بالعمل الجاد كله ولا عنه ودونه.
 
طالب الشريم
taleb1423@

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر