شرفة التغيير

 
شرفة التغيير
 
حريٌّ بنا كمجتمع ومؤسسات تقف على شرفة أمواج التغيير، وعلى أعتاب الوصول إلى تشكّل وتكوّن شرائح كبيرة من فئاته.. تكون قادرة على تلمس الحراك الفكري.. وإدراك حتميته، وقيادته، أن نتساءل عن كيفية هذا الوقوف إزاءه؟ وعن الهيئة التي سنكون عليها؟ وعن مستوى الوعي الجمعي فيه؟
 
فمازال هناك من يسير في طريقه بنفس تشوبها الريبة والتوجس.. ومنهم من يلتقطه ويفلته.. ومنهم من خرج عن دائرة المألوف وتلقف شيئاً منه.. وكأنه قبس من نور يضيء له ظلمته، ويأنس به وحشته.. تشبث به فرحاً، وتبناه قبل تمحيصه وقياسه ومعرفة كنهه.. حتى جعل منه نافذة ينفث من خلالها على المارّة في الطرقات صنوف اللعنات.. سواء تعرف على الوجوه أم لم يعرفها.. فقط يلعن الظلام وعلبة الشموع بجانبه.. ابتاعها ولم يحضر معها عود الثقاب.. وبقي الآخرون صامدين في وجه التيار.. لا يبرحون تكلس الجمود، وسلامة الساكن.. وأمان العادة.. وهكذا..
 
فقد سادت على الجمع صبغت النقل على تفرد العقل! فانشغلوا بالظنون عن العمل.. وتباروا بالقول عن الفعل..


 لقد تشوهت في عيون هؤلاء معالم الطريق.. وأضحت الجهود تتبدد فيما بينهم.. أحدهم يعمل لإثبات نظريته، والآخر يعمل على دحضها.. ليس من باب البحث عن الصواب بقدر ما هي مساجلات تذهب للانتصارات الذاتية.

وقبل نهاية المسير أدرك بعضهم أنه قد وصل.. أو يُهيأ له ذلك.. وإن يكن فقد تأخروا كثيراً.. وقبل إتمام السفر تفرغوا لمبارزة المتأخرين عنهم.. حتى تحول هذا الفكر الإنساني المتاح للجميع إلى ساحة نزاع بين فريقين أو أكثر!

إن الفكرة قديمة قدم الإنسان نفسه.. ولكن هناك من يعي حضورها فيلتقطها ويجرب مضمونها، ومدى اتساقها مع منهجه وسلوكه أو تعارضها مع ثوابته العريضة.. إذ لا يوجد في هذا الزمان من لم يسمع بالأيديولوجيات.. أو يطرق هرم الصراع الأيديولوجي ابتداءً من النفس الواحدة إلى العائلة الواحدة مروراً بشرائح المجتمع وتياراته وصولاً إلى الصراعات الأممية.

إن ما يجب البدء به هو إصلاح البيت من الداخل.. بالحوار الصادق.. قبل الذهاب لمد جسور الاتصال مع الآخر.. فالشعوب التي سبقتنا قد دفعت ثمن التحول غالياً عندما كانت في مثل أحوالنا من قرون.. وانتهت من مسألة الحوارات التي نظن أننا من سيصلح بها الشأن المحلي, كالحوارات التي تستنزف الحبر والورق فحسب.. أو التقريب بين مذاهب الأمة.. كحوار المذاهب.. أو رسم طريق السلام العالمي.. من خلال دعوات واجتماعات حوار الأديان.. كل تلك نحن من تبنّاها ودعا إليها.. قبل الخلاص من شرك التقاطعات الداخلية.. فكراً ومنهجاً وسلوكاً..

إن النهضة التي ننشدها تحتاج مقاعد صدق.. ولنعلم أننا متأخرون في حواراتنا في الوقت الذي انتقل الآخر إلى توحيد الجهود في نُصرة عقيدته.. وما الصراع اليوم إلا إطار عريض منه.. حتى لو بسطنا أيدينا لهم سيغلونها بسبب الفارق الكبير بين ما نريد نحن، وما يذهبون إليه.
 
طالب فداع الشريم
taleb1423@



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر