من حروب إسرائيل وتهور صدام إلى الربيع.. متى تكون المنطقة مستقرة؟

من حروب إسرائيل وتهور صدام إلى الربيع.. متى تكون المنطقة مستقرة؟
طالب فداع الشريم

   كان غريراً مولعاً بكرة القدم، لا يعلم لماذا يذهب للمدرسة، فالثقافة سطحية، كرياح الظهيرة المعتادة، التي دائماً ما تكون محملة بالأتربة السطحية. ومع ذلك لا شيء يضاهي لحظات صباحات الخميس والجمعة، حيث يلتئم الشبان لاستعراض المهارات الكروية، هذا يقلد الموسيقار، وذاك يرفع يده الماجدية، والآخر يحاكي انطلاقات الكوبرا، وهذا شايع ببياضه الكامل. وهذا أبو يعقوب يخترع ويعجن، وهو مزهو بمهارته التي لا تظهر إلا بهذا الركن، وعبدالجواد وبايزيد، هذا يسمي سيارته مارادونا، وذاك يسميها بلاتيني، والآخر يسميها رومنقيه، يجري أحدهم وهو يعلق على نفسه كأنه أبوداود، أو قدسي رحمة الله عليه. أما الواقف بين الخشبات الثلاث، فقبل أن يطوح بالكرة خلف المرمى، لا يهم ما دام يعلن عن نفسه، بالدعيع مرة، ويبتسم في المرة الأخرى، ويختلس النظر في الوجوه، وهو ملتوٍ على خط المرمى، «شوفوني أنا مروان» محاكاة وتسميات وألقاب، وجدوا فيها متنفساً لهم للتعبير عن ذواتهم. مرت الأيام جميلة، نقية، يرضى الواحد بالقليل، فقد تحقق له كل ما جال في خياله البسيط.
   تدور الأيام، لا «إع لام»، ولا سفسطة أو تقعر، ولا متأعلمين، لا واتساب وتويتر ولا فيس بوك، لا حتى جوال أو موبايل، ولم يتصفح أو ينتظر الإيميل، حتى البريد لا يعرفه، بحق عيشة يوم بيوم، لا بل ساعة بساعة، حياته لحظات كاملة الدسم وإن قلت الموائد.
   وعلى حين غرة، يقاطع برامج افتح ياسمسم، وبباي ويسترق السمع في مجالس الكبار: العراق يغزو الكويت، يبدأ يفرز الوجوه، الفاهم، الجاهل، العبقري، الذكي، المتورم، الشكاك، الشاكي، الذين يأتون بأخبار جديدة، غريبة، وأسماء لم يسبق له أن سمع بها: تاتشر، قرباتشوف، جورج بوش، ومصطلحات طاحنة: أسطول، بارجات، المدمرة بي ٥٢. وبعد أن يخرج من عالمه البسيط، أصبح يهذي وهو يسير لوحده، يكرر الأسماء ليختبر مدى سلامة عقله، وقدرته على الفهم! يذهب لجدته، يجدها متخندقة ما بين المخدة والراديو، مرة يسمع هنا لندن، وأخرى مونتيكارلو، وقبل أن يطير به خياله سهواً يتساءل: ماذا يجري؟!
   العراق دخل الكويت، النساء يطالبن بقيادة السيارات، هذا يحلل، وذاك يحرم، تخرج أربع قنوات جديدة، المشكلة المبلغ كبير، ستون ألفا، يبدأ الجيران في مباراة جديدة للتفاخر بالدش، الصحن اللاقط، ممنوع الدش! أوه ياللهول الجار أياه أتى في بيته بخادمة! ما هذه الانقلابات؟ المفاهيم تلخبطت، سرعة في التطورات، ميادين جديدة!
   المدارس أصبحت سكنا لإخواننا الكويتيين، أقاربه على الجبهة، الحرس الوطني الأبي يطهر الخفجي، محرقة وبراكين في المنطقة التي تقع بين الكويت والعراق، آبار النفط غطت السماء بدخان الحرائق، أجسام غريبة مريبة في شوارع رفحاء، حمران عطران شقران، كاميرات ووجل وجسارة ومغامرات وبطولات.
   يكبر الصبي وتتوالى الأحداث، ويستمر القتال في الشرق الأوسط، غزة ولبنان وأفغانستان، ثم احتلال العراق بعد سقوط النظام بقيادة الصدام. تظهر قوى أخرى، وتكتلات دولية وانفصال مناطق، جماعات مدعومة، أيديولوجيات ومظاهرات تتلوها انقلابات!تساءل الصبي: وبعد؟
   إلى أين تسير هذه المنطقة الملتهبة؟ ولماذا حولنا بالذات؟ هل الهدف مركز الأرض؟ يحاول الصبي أن يفهم بعد أن اشتعل رأسه شيباً، هرم وهو يتمنى أن يعود به الزمن لإشراقة الخميس البريء! لكن لايزال السؤال قائماً: لماذا هذه المنطقة؟ وإلى متى؟ وكيف الخلاص؟ هل هو إهمال في قراءة التاريخ؟ أم هو نقص في تفسير وتأويل النصوص؟ وإلى متى تهمل حكومات المنطقة ومؤسساتها المليارية التنمية البشرية لشعوبها؟ لتبقى منطقتنا متماسكة أمام هذه التغيرات المتسارعة والمستمرة؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٢٠) صفحة (٢٠) بتاريخ (٠٢-٠٤-٢٠١٢

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر