الفتح الإسلامي والميلاد الصفوي


   لا ينفصل التاريخ عن وقائع الزمان، ولا تنقطع حروفه عن مكوناته، بضاعته الأحداث المترابطة، كسلسلة تتابع الأمم عبر العصور، وخير شاهد ما جاء به القرآن الكريم في ذكر ما كان قبلكم، للعضة والعبرة لأولي الألباب، واستلهام المعرفة، فما أحوجنا ونحن نعيش اليوم عصر التحولات المتسارع من الوقوف كمكون، يصنع بإرادته الواعية أدوات التاريخ، التي إما أن يأخذ بها أو يتجاوزنا إلى صنّاع آخرين.
 
   فقد ذكرت صفحات التاريخ كيفية انهيار إمبراطوريات كانت تحكم الأرض، وتسوس الناس، حتى غرها بالله الغرور، ومن تلك، الحضارة الفارسية الاستعلائية، التي لا تزال تسكن الضمير الإيراني.


   عشرات القرون؟، كانت إيران وما حولها من البلاد تحت حكم الإمبراطورية الساسانية، بقيادة ملك كسرى، كإمبراطورية عتيده، قادة المشرق ردحاً طويلاً من الزمن، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وعسكرياً.

   فاستطاع العرب المسلمون في بضع سنين من انتقال الرسول القائد صلي الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، أن يفتحوا هذه الإمبراطورية، ففي سنة ست عشرة هجرية، (٦٣٧م)، كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يصلي بالمسلمين في إيوان كسرى بالمدائن، كما في الطبري (٣/ ١٢٥)، ويقرأ قوله تعالى: ( كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين)، {الدخان، الآية ٢٥- ٢٨}.

   ويعتقد الباحثون كما في " محركات السياسة الفارسية. عادل علي (٢٠٠٨م)، إن امتداد الطموح الإمبراطوري الفارسي الحالي يعود إلى العصر الساساني، إلا أن ما أحدثه أبو المظفر شاه إسماعيل الهادي الوالي، أو إسماعيل الصفوي (٢٥ رجب ٨٩٢ ه/ ٢٥ يوليو ١٤٨٧م - ١٨ رجب ٩٣٠ه/ ٣١ مايو ١٥٢٤م)، مؤسس الدولة الصفوية في فارس، القائد الديني الذي أسس الحكم للصفويين، فقد قام على تحويل فارس من أهل المذهب السني إلى الشيعة الإثناء عشرية، وقد أورد عدد من الباحثين صوراً من وحشية القتل الجماعي، لإرغامهم على التحول، حتى عُرف في التراث، والفلكلور الفارسي المتناقل مشافهة لقب خاص لمن بقي من أبناء السنة، الذين رفض آباؤهم التحول، فأحرقهم الشاه بالنار حتى هلكوا، وعُرف أسم آخر للسنة في إيران هو " بدر خوسته"، أي محروقي الوالدين، لأنهم سلالة الذين رفضوا التحول إلى الإثنى عشرية الفارسية.

   ونقلاً عن عدد من الكتب التاريخية، أن إسماعيل شاه قتل في سبيل نشر المذهب الشيعي قرابة المليون من أهل السنة في إيران والعراق، ويحسب هذا الفعل على أنه نقله جوهرية على كافة المستويات، السياسية، العقائدية، والفقهية، على أرض فارس كلها، بتحويل مبدأ " ولاية الفقيه " إلى عمل سياسي استراتيجي، وهو ما يعده موسى الموسوي المرحلة الثانية بين المراحل الثلاث، في مسيرة بلورة التشيع بصورته الحالية، إذ إن إسماعيل شاه هو من أعلن التشيع الصفوي مذهباً رسمياً لبلاده، لأسباب سياسة بحته تتعلق بتوسع الدولة الصفوية، التي أصبحت خيوطها ترسم الصورة على الواقع المعاصر، من خلال التحالفات السرية، وتقاطع المصالح مع القوى الأممية، ولكنها استعجلت الخُطى، فانكشف توجهها الاستراتيجي التوسعي، المبني على الفكر العقائدي الأيدلوجي بعيد المدى، وتعرى قبل أوانه المقرر.

طالب فداع الشريم
taleb1423@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر