الكهف وحقيقة الظل!



الكهف وحقيقة الظل!
   
   إن للمجتمعات كينونة تنفرد بها من خلال سمات حيوية عقلية وحركية، تتصف بها وتتميز من خلالها ان إيجاباً أو سلب، وتكون محور تشكلها واختلافها بين المجتمعات العديدة على وجه المعمورة.
 
   تتكّون تلك السمات وتتشكل كتراث منتقل عبر الجيل الواحد بلا وعي أو اختيار، ويمكن وسمه بالعادة، أوالفعل البدهي، ويتم تقبله من قبل أفراد المجتمع كمسلم لا يقبل التحريك أو الاهتزاز، كأصل ثابت! وبالتالي تكون عقوبة التقريع لكل من يحاول المشاهدة لهذا الصنم من خارج الدائرة المتكلسة، ومع كل الممانعات يظهر من الكهف ذا عزم ليتصل بحقيقة الظل المنطبع لإخضاعه للدراسة والتمحيص وسبر أغوار الحقيقة التي تشكلت قبل وصولها لمجهر العقل ومشرط التفكيك.
 
   تخضع المجتمعات المغلقة على نفسها لسلطة ما يُطلق عليهم الصفوة، أو النخب الاجتماعية.. التي تحكم قبضتها على عقول الاتباع! بطريقة يصبح فيها التابع معطل العقل يرى بعين المتبوع ويتمثل بفكرة.. ومن هنا أتت المقولة الدارجة في نقد هؤلاء: "مشكلة النخب الثقافية هي في نخبويتها بالذات ". وقد تمثل فيها علي حرب في كتابه أوهام النُخبة أو نقد المثقف، ذلك أن النخبوية قد آلت إلى العزلة والهامشية، وأنتجت التفاوت والاستبداد، بقدر ما جسدت الاصطفاء، والنرجسية لدى النخب الثقافية. الذي مارس المثقف من خلاله الوصاية على القيم العامة والمشتركة المتعلقة بالحقيقة والحرية والعدالة، أو بالوطن والأمة والبشرية جمعاء.. وقد أطلق حكمه عليهم بالفشل والعقم الفكري وأن من الممكن الآن، المجدي والمثمر، هو أن يعمل المثقف على تغيير صورته عن نفسه، بحيث يعيد ابتكاره لدوره بتغيير علاقته بذاته ومهمته بعد فشله في قيادة الوعي الاجتماعي!
 
   يفتح هذا النقد القاسي آفاق أكبر لرؤية مآل مايطلق عليهم الصفوة أو النخبة من زاوية يّمكن من ظهور الصورة الحقيقية لواقع تم قبوله بجلاء، للتحرر من أوهامهم النخبوية وعقولهم السلطوية.. وعلى المجتمعات أن تعي بأنها هي من تصنع الرمزية وتبني لها أبراجها، وتلبسهم رداء التميز والاحتفاء وهو في حقيقة الأمر رداء الوهم وانصياع المخيلة بغض النظر عن النتاج الإجمالي لمخرجاتهم تجاه المجتمع.
 
   أي نخبة؟ وأي صفوة؟ تتحدث عنها الناس وتسبق عليها الألقاب في الوقت الذي يقبع وسطهم الاجتماعي في ذيل المجتمعات باختلال معاييره في التقييم المثالي لواقعه، وأضحت مصادر تنميته تنحو للشكليات أكثر من كونها تنحدر في سواقي تؤسس لعلاقات متكافئة تتضافر لبناء قيمه، وثروته، ووسائله المعرفية، وتقنيات الاتصال والنشر. تلك على حد وصف علي حرب مهمة يشارك فيها المجتمع بكل قطاعاته وفعالياته، وبكل سلطاته ومشروعياته، أما إن تدعي فئة تسمى نفسها الطليعة الواعية أو النخبة المستنيرة الاضطلاع بعمل التنوير والتحرير، والتغيير، فتلك مهمة أثبتت فشلها، ودفعت الأمة ثمنها جهلاً وتفاوتاً واستبداد.
 
   ولتتضح موضوعية المعنى في هذا المجال الحساس، وقياسة على الواقع المعاصر سيتبع هذا المقال طرق قبسات في رؤية علي حرب تجاه أهل الثقافة والكتابة، أو أهل الإعلام والصحافة، بدعوى أنهم يشتغلون بإنتاج المعرفة ونشر المعلومة!
 
 
طالب فداع الشريم

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر