العدل.. قِيم وإنسان

   العدل مصطلح جاء به الكتاب القويم.. تجلت قيمته العظيمة عند الخالق جل في علاه.. فأمر العباد العمل به في دنياه.. وأعلى من شأنه في قوله تعالى: { اعدلوا هو أقرب للتقوى}..

   وبما إن الإنسان هو محور القوامة في الأرض.. وهو مركز المعرفة في الكون.. ومن أجل ذلك لن تستقيم الحياة بلا قِيم.. فكل سلوك، أو فعل إنساني لابد وإن يسبقه معتقد، أو إرث.. كوّنته الخبرات المتكررة عبر الزمن..

   ولإدراك المعنى الحقيقي للحياة.. تمسك بقِيم العدل ثلة من الناس.. في فترات طويلة من عمر اللحظات.. فاستقامت به جوانب الحياة.. ولكنه لم يلبث طويلاً في زهوه.. إلا وقد مال عليه الناس.. وتشابهت الوجوه والأنفاس.. واختلط العدل بالميل.. فطال به الأمد.. وزاد بالأرض الكمد.. ونسجت حوله قصص النكد.. أبطالها عُتل وزنيم.. آثروه للأنا.. فشكلوا صورته البهية إلى ما يتناسب مع الهوى.. إن كان ذلك في القول أو العمل.. فحُمّل ما لا يحتمل..

   تتجلى الروايات في محكمة المعمورة.. الغرب ينزل حكمه العادل على الشرق.. ف ينطق به.. ويلبسه ثوب الارهابي.. ف يطلق شرقنا ردة الفعل.. كما هي في عصر الانحطاط الفكري، والجفاف العملي.. فيهمس همساً.. أنت لم تعدل يا غرب.. فلا طالما كنت ولا زلت الاستعماري.. وهكذا تستمر حكاية العدل.. بأشكالها وألوانها وإخراجها ودبلجتها.. دولة دولة.. دار دار.. فرد فرد.. كحق مكتسب، ينتزع ولا يعطى.. فدنى.. تشكله رؤى أممية.. جماعية وفردية..

   الكل يطلب العدل ويهتف به.. الصغير قبل الكبير.. المسؤول قبل السائل.. العامل قبل العاطل.. تصريحاً وتلميح.. ولكن عملياً تتبدل الصورة.. ويختلف المعنى.. حتى الحيوان يطلبه.. الدواب تتدافع وتستخدم القوة للحصول على قطعة طعام ترى أن لها حق فيها.. وبعد أن تضفر بها تستكين وتنزوي في ركن هادئ.. لتبحث عن قيمة أخرى تحقق لها العدل..

   عندما يطالب المسؤولون بانصاف أعمالهم الجليلة.. وإفراد الصفحات الإعلامية لها.. فتسمعها الآذان.. ولا تراها الأعين.. فقط هم يضنون أنهم يستحقون ذلك.. كشرط لتحقيق العدل.. الذي يجب أن يعترف به الناس..

   هذا هو العدل الذي يروى على قسمات الإنسان، وتفاعلاته الظاهره، التي ساقتها معتقداته الباطنة.. فقد تصل به الجرأة على العدل أن يذهب به المعنى بعيد.. فأي عدل أحل وضع اليد على مصير العباد.. وأي معنى هذا الذي أعمى بصر الناس.. وأي ناموس أستطاع الهيمنة على بصيرة المجتمعات.. وأي قيمة.. وبأي ثمن أرادو الاستحواذ على الحريات..

   أي طبع.. وأي سلوك.. جعل هذا الإنسان يشكل الصورة بإطار الكسب.. وليس غيره، الكسب الذاتي.. حتى الذات الإنسانية لم تسلم من ظلم الروح.. وتكاد ترى هذا الكائن يئن من شدة وطئ المعارك التي تختلج كيانه.. هل نستطيع أن نعترف بأن هذه من سنن الحياة.. وهذه من طبيعتها المتلازمة.. نفس وناس.. عقل ومخ.. روح وجسد..

   نلبس قناعاتنا رداء العدل الذي لا يراه الطرف الآخر.. وتستمر الأحداث الحياتية بعدل خفي.. وإذا ما ستمر البحث عن هذه القيمة المتبدلة التي لم يستطع الجمع الاتفاق عليها.. إذن.. نستطيع القول إنها حقيقة.. ولكن أين مقرها ومستودعها.. الأكيد أننا لن نختلف إذا آمنا إنها تنتظرنا بصورتها الجميلة.. في المعاد القريب.. في الحياة الآخرة.. عند الله جل في علاه.. فقط.

 

 

طالب فداع الشريم

 

taleb1423@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر