الإنسان في هذا العصر أصبحت تقاس قيمته بمكانته لا بمكارمه
كثيراً ما تتحفنا أدبيات علم الاجتماع والفلسفة والسياسة عبر التاريخ، عن أقسام الناس وما تقابل به طبقاتهم.
فقد قسم الحكماء الماضون الناس إلى ثلاثة أجناس (الموردي 1981م). كريم فاضل، ولئيم سافل، ومتوسط بينهما صار اللؤم إليه من أحد أبويه أو من أصحابه ومعاشريه أو من عمل من الأعمال التي تقتضيه. فأما الكريم فضبطه وملكه بالإكرام، والإنصاف، والمودة، والاستعطاف، فإذا جعلته سيداً كان لك عبداً. والكريم مأمونٌ إذا شبع وقدر، ومخوّف إذا جاع وقُهر. واللئيم مخوّف إذا شبع وقدر، ومأمونٌ إذا جاع وقهر.
وارفع الكريم، فإنك كلما رفعته تواضع لك. وضع اللئيم جهدك، فإنك إذا رفعته ترفّع عليك. وعامل المتوسط بقدر ما فيه من الإكرام والإهانة، فامزج له الرغبة والرهبة. واعلم أنك إذا أهنت الكريم فتحت على نفسك باباً من اللؤم والمضرة، وإذا أكرمت اللئيم اقتضيت منه شراً، وزاد عليك بإكرامك له تمرداً.
وقد كان بعض ملوك الفرس يجعل لكل طبقة من الناس نوعاً من اللباس يعرف به مكانه، فلا ينتقل عن لباسه حتى يرى له من الفعل ما يستدل به على فضله، فينتقل بإذن من الوزير إلى لباس الطبقة التي فوقه، وذلك إحرازٌ منهم لإيقاع السياسة في مواضعها، ومعاملة كل طبقة بما تستحقه بنقصها وفضلها.
فاحصر هذه الأقسام بتدبيرك، فإنها لن تخل بالجزم إن شاء الله تعالى، واعلم إن المداراة درجة رفيعة لا يستغني عنها حصيف، وإن القلوب طُبعت على بغض من استعلى عليها، فعامل الناس بالموافقة في غير أماكن الغلظة، وأهون ما تكون عند الناس إذا كانت بك إليهم حاجة، فتعزز عليهم بالاستغناء واملكهم بقضاء الحاجة.
والشاهد في مختصر القول، إننا في هذا العصر اختلطت علينا المقاييس، فأصبح الإنسان يقاس بالمكانة لا بالمكارم، ويقاس قدر اللئيم ويرتفع بما يملك، وإن لم يكن به نفع، ولن ينجلي هذا الأمر إلا بتحديد لباس لكل طبقة!. فالارتفاع إلى المعالي صعب، والانحطاط عنها سهل، ولن تنال معالي الرتب إلا بالمكارم، والعمل بالحكمة والأدب.
طالب فداع الشريم
الأربعاء 24 ذو الحجة 1428هـ الموافق 2 يناير 2008م العدد (2651) السنة الثامنة الوطن
فقد قسم الحكماء الماضون الناس إلى ثلاثة أجناس (الموردي 1981م). كريم فاضل، ولئيم سافل، ومتوسط بينهما صار اللؤم إليه من أحد أبويه أو من أصحابه ومعاشريه أو من عمل من الأعمال التي تقتضيه. فأما الكريم فضبطه وملكه بالإكرام، والإنصاف، والمودة، والاستعطاف، فإذا جعلته سيداً كان لك عبداً. والكريم مأمونٌ إذا شبع وقدر، ومخوّف إذا جاع وقُهر. واللئيم مخوّف إذا شبع وقدر، ومأمونٌ إذا جاع وقهر.
وارفع الكريم، فإنك كلما رفعته تواضع لك. وضع اللئيم جهدك، فإنك إذا رفعته ترفّع عليك. وعامل المتوسط بقدر ما فيه من الإكرام والإهانة، فامزج له الرغبة والرهبة. واعلم أنك إذا أهنت الكريم فتحت على نفسك باباً من اللؤم والمضرة، وإذا أكرمت اللئيم اقتضيت منه شراً، وزاد عليك بإكرامك له تمرداً.
وقد كان بعض ملوك الفرس يجعل لكل طبقة من الناس نوعاً من اللباس يعرف به مكانه، فلا ينتقل عن لباسه حتى يرى له من الفعل ما يستدل به على فضله، فينتقل بإذن من الوزير إلى لباس الطبقة التي فوقه، وذلك إحرازٌ منهم لإيقاع السياسة في مواضعها، ومعاملة كل طبقة بما تستحقه بنقصها وفضلها.
فاحصر هذه الأقسام بتدبيرك، فإنها لن تخل بالجزم إن شاء الله تعالى، واعلم إن المداراة درجة رفيعة لا يستغني عنها حصيف، وإن القلوب طُبعت على بغض من استعلى عليها، فعامل الناس بالموافقة في غير أماكن الغلظة، وأهون ما تكون عند الناس إذا كانت بك إليهم حاجة، فتعزز عليهم بالاستغناء واملكهم بقضاء الحاجة.
والشاهد في مختصر القول، إننا في هذا العصر اختلطت علينا المقاييس، فأصبح الإنسان يقاس بالمكانة لا بالمكارم، ويقاس قدر اللئيم ويرتفع بما يملك، وإن لم يكن به نفع، ولن ينجلي هذا الأمر إلا بتحديد لباس لكل طبقة!. فالارتفاع إلى المعالي صعب، والانحطاط عنها سهل، ولن تنال معالي الرتب إلا بالمكارم، والعمل بالحكمة والأدب.
طالب فداع الشريم
الأربعاء 24 ذو الحجة 1428هـ الموافق 2 يناير 2008م العدد (2651) السنة الثامنة الوطن
تعليقات
إرسال تعليق