مبادئ حقوق الإنسان.. مجرد شعارات

   أكثر ما يتحدث عنه الناس اليوم في أرجاء المعمورة جدلية حقوق الإنسان، وهو حق إن سلم من التنظير الموجه، والتهويل المقصود، وآمن الجميع بأنه مبدأ مهم لقيم الجوانب الإنسانية، إلا أنه أُختطف مع سبق الإصرار والترصد، وأصبح رداء طائر لدى الكثير من الجهات الفردية، والمنظمات المؤسساتية، وأصبح مائدة، لا سيما عند بعض إعلاميي واجهة السلطة الرابعة.. التي لا تخرج أطروحاتهم عن حقيقتها في الوصول لمنهج التسييس، والجهاد في سحب هذا الحق لتعزيز الغاية الأولى لكل جهة.

   الساحة العالمية مليئة بالأحداث الحقوقية، ولكنها تمضي بلا ضجيج رغم فداحتها، وأصبحت الانتقائية والغايات هي التي توجه مؤشر المنظّر الراصد لرفع الصوت، أو غض الطرف عنها، والغريب في الأمر قيام عدد من مراسم المناحات الصادرة في بعض الأوساط الإعلامية حول بعض القضايا الحقوقية، وهي لا تعدو كونها رجع صدى لما يجري في مجتمعاتٍ أصبحت في نظرهم أسطورة لمفاهيم العدالة والحقوق.

   بالأمس القريب صدر عن منظمة الصحة العالمية تقرير يكشف الحالة التعسفية التي يعانيها كبار السن في أوروبا من قبل ذويهم، ومن قبل المجتمع الأوربي المتشدق بحقوق الإنسان، فقد جاء في تقريرها عن تعرض ٢٩ مليون مسن في أوروبا للتعذيب، وسوء المعاملة، لدرجة تصل إلى قتل ٢٥٠٠ شخص على أيدي ذويهم! هذا هو الحال في معظم الدول المتقدمة، تلك الدول التي لم تكتف بغزو أطراف الأرض فحسب، بل وصلت تطلعاتها لسبر أغوار الفضاء وعوالمه، في سبيل السيطرة على كل المخلوقات، هذا التقرير يفضح تلك المجتمعات الأوربية المتنطعة بحقوق الإنسان، وأثار الخوف والفزع داخل المجتمع الأوربي، ولكننا لم نشاهد ردة الفعل من لدن المهتمين بالحقوق في بعض أوساطنا الإعلامية، ولم يتم التطرق إليه من المفوهين!، أليس في ذلك انتقائية ممجوجة، لا يقبلها إلا مبهور، ينشد إرساء قيم الحقوق العالمية التي لطالما جعلها سبباً لتطور تلك الأمم.

   البعض يرى أن سبب تخلف دول العالم الثالث عدم الأخذ بنصوص تلك النظم، التي أُشربت في قلوب بعض مثقفينا الأجلاء.

   إن في ظل ما يتعرض له المواطن الغربي من انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، آن لنا ننظر ونسمي من يعالج قضايانا لنعلم الغايات التابعة لتلك الجهود، قنوات تخالف المعتقدات الصحيحة للدين الإسلامي النقي من البدع، إعلام أستمرأ التطاول على أم المؤمنين، وفي نفس الوقت ينافح عن حقوق نسائنا، ما تستوي!، والأدهى قيام ست نساء من أعضاء الكونجرس الأمريكي بتنظيم مسيرة تأييد لمطالب البعض بقيادة المرأة السعودية للسيارة، ولأن الباطل هش حملن أعلام الكيان الصهيوني، وجلن الشوارع ملوحات به، وبصور نساء سعوديات في ذات الوقت! ما هذا التناقض المريب والعجيب؟! يا سلام على الوضوح وجسامة القضية، يعني بنقتنع بعد هذه المشاهد الهزلية أن قناة العالم، ومذهبها الداعي للتمتع بالنساء بشكل حيواني؟! وعضوات الكونجرس الداعمات لإسرائيل التي رملت الفلسطينيات، ويتمت أطفال فلسطين، تتبجح وتدعي دعم حقوق المرأة السعودية في قيادة السيارة! ولتأكيد فرضية إلباس حقوق الإنسان رداء لا يتوافق مع مبادئها، خرجت نساءٌ أوكرانيات عاريات الصدور تأييداً لبعض السعوديات المطالبات بقيادة السيارة، عجيب!.. ومدهش!.. ألا نتوقع غداً برفع سقف الحقوق، أو أدراجها ضمن حق الناس بإن يفعلوا ما يفعله هؤلاء؟!

   المشكلة أننا نكاد ننبهر بإطار الصورة، ولا نستطيع أن نميز تفاصيلها، نتلقف بريق الفلاش، ولا نستطيع تمحيص المورد، هل نحن فعلاً نعي سيناريوهات المسرح الثقافي العالمي، واختلاط القيم بالسياسة؟ هل أصبحنا نشكك بحقيقة خيوط الشمس؟ ألم نعِ حتى الآن أن كثير من دول العالم الديمقراطية وغير الديمقراطية، المتقدمة والمتخلفة قامت بتسييس كل المبادئ والقيم المتعلقة بحقوق الإنسان، وحولتها إلى مجرد شعارات؟


طالب فداع الشريم
taleb1423@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر