صناعة التخلف!



صناعة التخلف!
 
طالب فداع الشريم
 
   منذ أوائل الخمسينات وبعد ظهور الدول التي استقلت وأطلق عليها مسمى العالم الثالث، والكثير من الأدبيات تعمل على دراسة مشكلاتها وقضاياها لمعرفة الأسباب التي تكفل لها النهوض الاجتماعي، واتخذت هذه الدراسات وجهات متعددة، وأضافت للمكتبة العربية الكثير من المراجع التي تستحق أن يشار لها.
 
   يقول د. مصطفى حجازي في كتاب التخلف الاجتماعي: «إن التركيز الأساسي تمحور حول الاقتصاد، والصناعة، والعناية بالسكان (صحة، تعليم، تغذية، إعمار، إلى آخره…) فنشأ عن ذلك علم اقتصاد، وعلم اجتماع التخلف، ولكن الإنسان المتخلف لم يعط الاهتمام نفسه الذي وجّه إلى البنى الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية». (انتهى الاقتباس).
 
   إن واقع الحال الذي نعيشه اليوم ونحن في عام 2012 يسوقنا لحقائق مفجعة لأولو الألباب، مردها العزلة التامة عن مواكبة الحضارة الإنسانية المعاصرة في شتى مجالات الحياة، وما هذا التخلف إلا نتاجها الذي لا يزال يضرب في خاصرة البنية الاجتماعية أمام اضمحلال الفكر الذي يسّير سياسات هذه الدول، فطال أمد العزلة، وتاه المجتمع في الركض خلف قضايا هامشية، تحزبات غليظة، وطبقيات فظة، تغذيها الكثير من المؤسسات المختلفة، التي ضربت على هذا المجتمع بسور زعمت أن داخله الرحمة ومن خارجه العذاب!
 
   إن عزل المجتمع في سجالات بعيدة عن قضايا نهضته الضرورية، والتي أصبح التطرق إليها من دعاوى الخروج عن المألوف، أنتج أجيالا مصنوعة وليست موهوبة..
 
   فالموهبة إبداع وخروج عن الحضن الدافئ للسلامة وما ارتهن إليه الناس، أما الصناعة فهي محكومة بضوابط، وبالتالي أصبحت مخرجات هذه المجتمعات البشرية متخلفة! تتكاثر وتنشأ مؤدلجة، يصيبها الهرم وتموت كالنبات، ليست لها علاقة بصيرورة التاريخ وسيرورة الحياة.. هدر للكثير من الطاقات البشرية والإمكانات المادية، وللجهد والوقت..
 
   تكثر المشروعات التنموية لجذب البريق، والنفاذ إلى ذهنية المجتمع على شكل تهيؤات وخيالات وأماني وأحلام.. وما بعد تلك ومع الانتظار الطويل تُخلق نفسيات خاملة وخاضعة، مستسلمة ومستلبة، ومن ثم يتم إشغالها بالمنافسات الجانبية من خلال ظهور أبطال يعزفون لحن الشعارات تحت زخم الفلاشات في ميادينهم التي عادة ما تستهدف استقطاب صيحات وتهليل العوام..
 
   وهكذا يستمر ضخ وإنتاج صناعة مكونات المجتمع المتخلف! وإن نفذ الآحاد فلن ينفذوا إلا بسلطان!
 
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٥٦) صفحة (٢٠) بتاريخ (٢٩-٠١-٢٠١٢)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر