السعوديون بين التلاصق والسعة.. والعلاج بالكي


   دائماً ما يبحث الإنسان عن العيش في منطقة من الأرض تكون صالحة للسكنى، تتوفر فيها مقومات العيش الكريم.. وأبسط تلك المقومات رغيف ساخن، وماء صالح للشرب، وظل وتبريد، مع حفظ الاعتبارات الفردية الشخصية..

   وبحكم اجتماعية الإنسان، وعدم قدرته العيش وحيداً كالسندباد، فإنه مُلزم عليه البحث عن التجمعات البشرية التي تقطن الأماكن السكنية التي تتوفر فيها المرافق الخدمية التي تمس أحتياجات الناس، والمراكز الطبية المتطورة المهيئة بأجهزة عالية التقنية للاستشفاء، ومؤسسات التعليم.. والبحث عن تأمين المال الكافي الذي يستره ويأمّن له مستلزمات الحياة الضرورية.. كما جاء في التراث الصيني: "علمني الصيد، ولا تعطيني سمكة" ..
  
   وفي بعض المدن التي تغص بملايين البشر من كل جنس ولون، وزحمت سير المركبات، والناقلات المتنوعة الجديد منها والخرب.. كالرياض مثلاً.. التي تعاني من ضيق الوقت والمساحات، مما أثر على رحابة الصدر، وعلى كثيراً من الجوانب الإنسانية، نتيجة طبيعة المدينة المتدكدسة، وشوارعها المكتظة، وأجناسها المختلفة.. كتل من البشر، وصخب مجلجل من أصوات المركبات، وغيوم من عوادم السيارات الخانق.. أجساد متلاصقة، كل ذلك بفعل فاعل.. فمن أشار على أصحاب القرار أن تكون هذه المدينة بالذات هي محور حياة المواطن السعودي الباحث عن أبسط الحقوق التي أجتُز جزئها الكبير لفئة محدودة.. إن جل الخدمات التي يحتاجها من جامعات، وفرص عمل، ومستشفيات، ومؤسسات خدمية، ووزارات أصبحت عقيمة بسبب عدم قدرتها على إنجاب فروع لها تفي بالمساحات الجغرافية المترامية للبلد..

   فطوبا لأهل المناطق الحدودية تلك البحبوحة المنفرجة من المساحات الأرضية الخالية والمغفرة.. التي يستطيع ساكنها مد النظر وهو متمدداً في غرفة نومه أحياناً، أو ليخرج إن شاء راجلاً أو راكباً لمدة عشر دقائق ويجد نفسه في الصحراء الرحبة، يشاهد الطبيعة البكر.. ولكن.. يال هذا اللكن.. أين علاج المريض.. أين فرص العمل.. أين تعدد الخيارات التعليمية.. أين المؤسسات الخدمية في هذه المناطق المنسية.. الأكيد أن قائد الأمة الملك عبد الله بن عبد العزيز أجتهد قولاً ونصحاً وعمل لتعميم تلك الخدمات وإيصالها للمواطن في أطراف البلاد.. ولم يقصر في هذا السبيل، فلقد تم في عهده أفتتاح الكثير من الجامعات في أغلب مناطق المملكة العربية السعودية.. والأكيد إن المستفيدين منها من أبناء هذه المناطق كُثر.. واستطاعوا إكمال تعليمهم بالرغم من القصور الذي يعتريها، ولكن أهم مايميزها عن غيرها هو عدم تعرضهم لمخاطر السفر، ومتاعب الترحال..

   ويبقى العلاج في المناطق الحدودية.. كالحدود الشمالية بالذات حدث يشبه المصيبة، بل مصاب أخر يضاف لكل من يصاب بجلل.. إن العلاج في مراكزها الطبية يؤدي لزيادة السقم.. وتصبح الإقامة فيها وباء مستطير..إنها مصحات تتكاثر فيها الفيروسات، والطفيليات، والآكلات.. فلو قدر لوزير الصحة أن يرتكب طامة توازي حال المراكز الصحية المتوفرة في محافظات المنطقة الشمالية، ك رفحاء، وعرعر، وطريف.. وساقه القدر أن يتعالج فيها، ويستأنس بتشخيص كوادرها.. حين ذاك سيعلم صنيعة هذه الوزارة على مدى عقود من الموازنات التي تتجاوز هذه المنطقة المكلومة طبياً..

   قلناها مراراً وتكراراً.. الحل بين يديك يامعالي الوزير.. فقط قم بعمل يتم فيه اختيار مجموعة من الطلاب المتفوقين من أبناء المنطقة الشمالية، وتبنيهم على أسس مخطط لها تكفل ابتعاثهم لدور العلم المتفوقة أكاديمياً وعودتهم إلى منطقتهم بعد توفير المراكز المجهزة بالتقنيات المماثلة لما هو موجود في مستشفيات العاصمة، والدولة قادرة على ذلك وأكثر.. وهذا المأمول والمرجو.. حتى لا يتم تأكيد مقولة إن قدر إنسان العاصمة التمتع بالأمكانات المادية التي طغت على الجوانب الإنسانية وبالتالي غيبت كثيراً من أداء المسؤليات التي يستحقها أبن المناطق الحدودية..

   هنا لن يبقى لأهل هذه المناطق إلا قول الشاعر الشمالي: انا شمالي صدري اوسع من الكون .. بس انت ماخليت صدري شمالي..!! والذي لم يبقى له من رحابة الصدر، وسعة الخاطر شئ عقب ما صار " الكي! " هو علاجه..

طالب فداع الشريم
taleb1423@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظرية المعرفة عند الفارابي

الإنسان المقذوف .. !

معادلة الأنا .. ألآخر