الإبداع بين العقل والعاطفة
إن المتأمل في سيرة الأوائل من المبدعين وبعض المفكرين المعاصرين يصل لنتيجة مشتركة مردها الميل العقلي نحو الوعي المتحرك في كل جوانبه ومعانيه, مما يضفي على أعمالهم صفة التجديد والتغيير المستمرين, وتجاوزها بعض الحقائق التي آمن بها الكثير من البشر, والمعتقدات التي تسربلها جلباب الخمول الفكري وتوشحها رداء الجمود الحركي واستظلت عن سماها بغمام الرتابة والتكرار .
وبما أننا نتفق إن الهيكل البشري متشابه, فـ هل نستطيع القول أنهم يتفاوتون في مركز الحركة فيه؟ ونحدد مدى جودته، ونستلهم حقيقة مؤداها, أن من استقر به الباعث على التفاعل والتفرد قمة الهامة وتدفقت في خلاياهـ ذرات التجديد ونهل من ينابيع الإبداع التخيلي وحلق في فضاءات التفكير التأملي، حتما تتجدد حياته, وتتمرد على المألوف التقليدي, ولو كان ذلك بنسب قد تختلف بالكم والكيف، ومن استقر به مركز التوجيه حجيرات القلب خضع صاغرا لتيارات الهوا, وتسمرت فيه ملكات الهامة. وان كان استخدام احدهما لا يغني عن الحاجة لاستعمال الآخر.
قد يقوم هذا الوصف على فكرة الشخصية الفردية، التي تحكمها معايير الحس السليم، والمنهج الاجتماعي القويم، ضمن معايير السيطرة الخلاقة وكبح الجنوح المتحرر، لبناء العلاقة بين العناصر الفعالة في عقل المبدع بحرية فطرية.
ولا يمكن لمسرح العصر والزمان من أن يتجاهل تأثير جماعات مناهضة التغيير في كل المجتمعات، ذريعتها أنها نخبوية اصطفاها المؤثر العام، تفكر بالنيابة عنك وتقرر مصيرك، نهجها الأمر الواقع وحصنها فرضية المنطق, حتى صار هم المجتمع ما الذي يجب عليه أن يرتدي؟ ومتى يتحدث؟ وكيف يأكل وينام؟
وانصرفت تلك العقول النخبوية عن وضع الأسس الكفيلة لاسترجاع مجد الأمة وعلومها الذي تنعم به الآن دول شمال الكرة الأرضية، وتم الخضوع لموازين القوى وأصبحت تصدر فتاتها وقشوره إلى جنوبها.
ولم تكن العبقرية أو الإبداع في رأي المخترع والعالم الانجليزي فرانسس جالتون صفة خاصة، إذ استخدم المصطلح بحرية واعتبره مرادفا للقدرة الفطرية التي تعني خصائص العقل والمزاج التي تحفز الإنسان وتؤهله لأداء أعمال تؤدي به إلى المجد والقوة الكافية لإنجاز أعمال شاقة للغاية والطبيعة التي لو تركت لنفسها فإنها - مدفوعة بمنبه باطني - ترقى الطريق المؤدي إلى المكانة المرموقة، ويكون لديها القوة التي تبالغ بها القمة، وقليل هم الذين اكتسبوا سمعة رفيعة دون امتلاك هذه المواهب.
فالإبداع الفكري يدل على التغيير، والتغيير هو التحول إلى عالم آخر جديد، ولهذا تعترضها قوى العالم القديم، لأنها برأيهم تفسد المألوف الآمن، مما أفسح المجال للفئات التي تلقفت قشور التجديد, فلا هذه الفئة, ولا تلك القوى ستصل إلى شاطئ النور.
طالب الشريم
taleb1423@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق